الخميس، 31 مارس 2011

سكان المقابر في غزة.. كل شيء يذكرنا هنا بالموت!


'الحياة ليست سهلة هنا..هنا كل شيء يذكرنا بالموت، ويسرق منا أي لحظة يمكن أن نحس بها بالحياة، فكلما أرادنا الخروج من المقبرة اصطدمنا بجدران الفقر والتهديد المباشر بطردنا من مأوى لا يليق بحياة الآدميين'.
بهذه الكلمات يصف 'ابو العبد' في الستين من عمره، في تقرير وصل لـ'وفا' من برنامج غزة للصحة النفسية، حياة الآدميين الاحياء في مقابر غزة، ويضيف بأسى يخلع القلب:'نحن لا نحمل إلا حلماً وحيداً على عكس ما نحمله من هموم تعجز الجبال عن حملها، وهو أن يكبر أبناؤنا وأحفادنا خارج أسوار المقبرة، وأن يحلموا بمكانة اجتماعية أفضل، في مكان حتى وإن كان صغيراً، ولو في بيت من طين، المهم أنه يتسع لأبنائهم.'

هناك حيث لا حياة.. حيث السكون دائم.. اتخذوا لهم مأوى، أطفال ونساء وشيوخ يعيشون كالأموات، لا يختلفون عنهم إلا بقلوبهم التي لا تزال تنبض..لم يكن ذلك المكان خيارهم، بل لأنهم لم يعرفوا غيره..أجبرتهم عليه الظروف بعد ما ضاقت بهم أرض الأحياء فلجأوا إلى أخرى، أو لربّما كان سهلا أن يحتلوها لأنه لم يشأ سكانها المسالمون الدفاع عنها فلا حول لهم ولا قوه، لكن ضريبة العيش لم تكن أبدا سهله عليهم، فقد تلونت حياتهم بالسواد وامتزجت بنكهة الموت، يتظاهرون بأن الأمر أصبح طبيعيا لديهم، لكن مآسيهم وأوجاعهم وهمومهم تتحدث عن  أحلامهم التي لم تتخطَّ أربعة جدران خارج المدافن وجيران غير الموتى.
وتشير معطيات نشرها برنامج غزة للصحة النفسية، حول سكان المقابر في القطاع، ان بعض أطفالهم، من كلا الجنسين، يصطفون في طابور طويل على الأبواب المتعددة للمقبرة، وينتشر البعض الآخر بين شواهد القبور، يحملون بين أيديهم جالونات وزجاجات بلاستيكية من مختلف الأحجام والأنواع والألوان المليئة بالماء، كلاً منهم يسارع الخطى نحو القادمين الجدد من المواطنين الذين يحملون على أكتافهم نعشاً يضم بين جنباته جثمان ميت عزيز على أهله، وألسنتهم تلهث بالدعاء له بالمغفرة والرحمة.
يحاولوا جاهدين أكثر من مرة التسلل بين جموع المشيعين للوصول إلى حافة القبر، يُطردوا المرة تلو الأخرى، ويُسحبوا من ياقات قمصانهم البالية إلى الخلف، يُعنَّفوا من البعض إن لم يكن من الجميع، ولكنهم في نهاية المطاف يصلون بشق الأنفس إلى مبتغاهم، فيجلسون عند حافة القبر بالقرب من رأس الميت، وما إن يوارى جثمانه الثرى، حتى تمتد أيديهم بما يحملونه من أوعية مليئة بالماء لترطيب القبر، وسد شقوقه بالطين المخلوط بالماء.
قد يعتقد البعض للوهلة الأولى أن جلب الأطفال للماء ومد المشيعين به، يأتي من باب كسب الحسنات، ولكن ما إن ينتهي الجميع من دفن موتاهم ويهمون بالمغادرة، حتى تتكشف حقيقة الأمر حين تشاهد عشرات الأيدي الصغيرة ممتدة من كل حدب وصوب نحو الجميع دون استثناء، فهدا يُطلب ثمناً لزجاجته، وذاك يطلب ثمناً لجالونه، وتلك تقف على باب المقبرة تستجدي المغادرين للحصول على بعض النقود كونه لم يُسمح لها بالتسلل كأقرانها الأطفال من الذكور بين جموع المشيعين.
شعبان: تدمير المنازل سبب في انتشار الظاهرة
وفي هذا السياق، يقول المختص في الشؤون الاقتصادية، والخبير في التنمية البشرية عمر شعبان إن لانتشار ظاهرة السكن في المقابر ومجاورة الموتى قبورهم عاملين أساسين هما السبب في ازدياد هذه الظاهرة، أولهما حالة الفقر الشديد التي يعيشها معظم سكان غزة، والذي يزيد عددهم عن الثلثين، وبالتالي أصبحت هذه العائلات غير قادرة على توفير أي خدمات لنفسها أو لأبنائها أو إعطائهم الاهتمام الكافي من ناحية الرعاية الاجتماعية والصحية والتعليمية، وثانياً زيادة عدد المواليد في القطاع، حيث بلغ نحو 200 ألف مولود جديد منذ بدء الحصار على غزة، الأمر الذي زاد من عدد سكان القطاع ليصل إلى نحو 1.8 مليون نسمة، وهذه الزيادة رافقها تدمير نحو 5 آلاف منزل، و7 آلاف شقة سكنية، الأمر الذي أدى إلى تفاقم أزمة السكن.

وأضاف شعبان، وبالتالي أصبح هناك بيوت مزدحمة بالسكان، حيث أن عائلتين أو أكثر أصبحت تعيش في بيت واحد، وهذا ما جعل البعض يلجئون إلى الهرب إلى المقابر للسكن المجاني بجوار الموتى.
وأشار إلى أن هناك مسؤولية كبرى تقع على عاتق المجتمع الدولي الذي لم يحرك ساكناً اتجاه الحصار الجائر المفروض على القطاع منذ أكثر من أربع سنوات، ولم يصرف فلساً واحداً في إعادة إعمار البيوت المدمرة، أو إقامة مشاريع  إنتاجية تقضي أو تحد من حالة الفقر المستفحلة، بل انكبوا على دفع الأموال الباهظة للمؤسسات الأهلية ولكن لعمل الدراسات الإستراتيجية، وإقامة المشاريع التشغيلية المؤقتة، كتنظيف الشوارع، وزراعة الأشتال، وبالمقابل إهمال البعد الإنساني لهذه العائلات وأبنائها الذين هم بحاجة إلى بناء البيوت وتأهيل وتجهيز أماكن لجوء يتوافر فيها الحد الأدنى من مقومات الحياة.
وبيَّن شعبان أن العائلات التي تضطر إلى اللجوء للمقابر والعيش فيها، هي من العائلات التي تُصنف بأنها تعيش تحت خط الفقر المدقع، وليس لديها الحد الأدنى من مقومات الحياة، أو من الحقوق وهو البيت، وبالتالي من فقد البيت يفقد القدرة على الاهتمام بتعليم أبنائه أو بصحتهم، كما يفقد القدرة على تربيتهم على قيم وسلوكيات ايجابية، موضحاً أن فئات كبيرة من المجرمين وقطاع الطرق والجانحين، وعمالة الأطفال، هم من الأكثر فقراً والذين يعيش جزء كبير منهم في المقابر.
'الحكومة' تتحمل المسئولية
وحمَّل شعبان المسؤولية الكبرى للحكومة (..)، قائلاً إن أي حكومة يجب أن يكون لها دور أساسي في منع هذه الظاهرة الخطيرة جداً على المجتمع بأسره، ولكن عدم اهتمام الحكومات بهذه الظاهرة، هو محاولة منها لإنكار الواقع المعاش في غزة لهذه الفئة حتى لا تقع عليها مسئولية إخراجهم من الواقع المزري الذين يعيشونه وعائلاتهم، لأن ذلك يترتب عليه تأمين سكن وتوفير خدمات صحية وتعليمية ومنحه كافة حقوق الفرد على الحكومة والمجتمع.
أحلام الناس صغيرة على عكس همومهم
ويؤكد احد سكان القبور في غزة ' ان أحلام الناس في غزة صغيرة ولكن همومهم كبيرة، بسبب الفقر والحصار والحرب التي فرضت عليهم ودمرت بيوتهم، وأتت على ممتلكاتهم، فأصبحوا غير قادرين على دفع إيجارات باهظة، فباتوا يزاحمون الأموات السكن بجوارهم، والاستظلال بشواهد قبورهم'.
وأشار إلى أن سكان المقابر لم يعودوا كمعظم أهل غزّة يفرّقون كثيراً بين الحياة والموت، لأنهم 'أحياء مع وقف التنفيذ'، أي أنهم أحياء ولكن شبه أموات في الوقت نفسه، بفعل الحصار والضائقة المعيشية التي يحيون في كنفها.
د. زقوت: العيش في المقابر يساوي بين الحياة والموت
ومن جهته قال الأخصائي النفسي في برنامج غزة للصحة النفسية الدكتور سمير زقوت، إن عملية التنشئة الاجتماعية من أهم العمليات تأثيراً على الأبناء في مختلف مراحلهم العمرية، لما لها من دور أساسي في تشكيل شخصياتهم وتكاملها، وهي تُعد إحدى عمليات التعلم التي عن طريقها يكتسب الأبناء العادات والتقاليد والاتجاهات والقيم السائدة في بيئتهم الاجتماعية التي يعيشون فيها.
وأشار زقوت إلى أن عملية التنشئة الاجتماعية تتم من خلال وسائط متعددة، حيث تُعد الأسرة أهم هذه الوسائط، فالأبناء يتلقون عنها مختلف المهارات والمعارف الأولية، كما أنها تُعد بمثابة الرقيب على وسائط التنشئة الأخرى، موضحاً أن دور الأسرة يبرز في توجيه وإرشاد الأبناء من خلال عدة أساليب تتبعها في تنشئة الأبناء، وهذه الأساليب قد تكون سوية أو غير سوية، وكلاً منهما ينعكس على شخصية الأبناء وسلوكهم سواء بالإيجاب أو السلب.

ولفت إلى أن المناخ الاجتماعي الذي تعيش فيه الأسرة، سواء في المجتمع المحلي أو الجوار، وما يتسم به من صفات وخصائص، والثقافة الفرعية التي تميزه عن غيره من سائر المجتمعات، ذا تأثير لا يقل أهمية عن دور الأسرة على أفرادها، بمعنى أن المناخ الاجتماعي يُسهم بما لا يدع مجالا للشك في تبني أساليب معينة في التنشئة الاجتماعية تختلف من مكان لآخر باختلاف الثقافة الفرعية للمجتمع، إلى جانب المستوى التعليمي وثقافة الوالدين داخل الأسرة.
يتسمون بخصائص لا تتواجد في مجتمعات أخرى
وأضاف إن سكان المقابر كأحد المناطق العشوائية وإن كانوا خليطاً غير متجانس، إلا أنهم يتسمون ببعض الخصائص التي لا تتواجد في مجتمعات أخرى، فأساليب التنشئة الاجتماعية التي تتبعها الأسرة في تنشئة الأبناء في هذه المناطق، يعتبر مناخاً جيداً لتنامي البؤر الإجرامية والانحرافات بمختلف أشكالها، بما يؤثر بطريقة أو بأخرى على سكان تلك المناطق بصفة عامة، وعلى النشء بصفة خاصة، مما يؤدي بالبعض من الأبناء إلى الانخراط في تلك البؤر الإجرامية، ويُعد ذلك إهداراً للثروة البشرية التي يجب استثمارها لتقدم وازدهار المجتمع.
وقال زقوت إن السلوكيات المنحرفة التي تصدر عن بعض الأبناء، تُعد نتاج للقصور في التنشئة السوية لهم، إلى جانب الظروف المعيشية القاسية التي يُعاني منها معظم سكان المقابر، موضحاً أن من أهم السلوكيات المنحرفة التي تصدر عن الأبناء من سكان المقابر نتيجة المناخ الاجتماعي، المشاجرات، السرقة، التسول، الشتائم البذيئة، المعاكسات، الهروب من المدرسة، التدخين والمخدرات والجنسية المثلية، الهروب من المنزل.
وذكر أن الغالبية العظمي من الأسر التي تقيم في المقابر توفر احتياجات الأبناء من الغذاء والكساء والعلاج، ولكن ليس بالقدر الكافي الذي يفي باحتياجات الجسم، فمعظم الأسر التي تقيم في المقابر توفر للأبناء الملابس، إلا أن هذه الملابس لا تأتي إلا في الأعياد والمناسبات، وهي ملابس رثة يرثها الصغير عن الكبير، والأسر من سكان المقابر لا زالت تتعامل بالطرق التقليدية في علاج الأبناء في حالة تعرضهم لبعض الأمراض، ويفتقر سكان المقابر إلى العديد من الخدمات كالمؤسسات الثقافية والترفيهية، وتفتقر المقابر إلى المؤسسات الترفيهية التي تقي الأبناء من الشوارع من خلال شغل وقت فراغ الأبناء بشيء مفيد.
وبيَّن أن السكن في المقابر ظاهرة منتشرة في كثير من المجتمعات العربية، ولكن في قطاع غزة تتحول الظاهرة إلى مأساة داخل المأساة، حيث لم يعد أهل غزّة يُفرّقون كثيراً بين الحياة والموت، هم أحياء لكن شبه أموات في الوقت نفسه، بفعل الحصار والضائقة المعيشية التي يحيون في كنفها، مشيراً إلى أن هذه الضائقة دفعت الكثيرين منهم إلى اللجوء إلى المقابر لاتخاذها مسكناً بعد هدم منازلهم جرّاء العدوان الإسرائيلي الأخير، أو جراء عدم قدرتهم على دفع إيجارات باهظة، فبات أحياء غزّة يزاحمون أمواتها، وسكن القبور عملية انتقالية قبل الوصول إلى السكن النهائي في الدار الآخرة.
الحصار اضطرهم لمزاحمة الموتى
وأوضح زقوت أن الحصارِ الإسرائيلي والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سكان القطاع، اضطرت العشرات من عائلات غزة إلى مزاحمة الموتى، والعيش بجوار قبورهم في الفترة الأخيرة، فالحياة ليست سهلة، هنا كل شيء يذكر بالموت، وتُسرق منهم حتى لحظات إحساسهم بالحياة، قائلاً 'إن قصة العيش في المقابر، هي دراما اجتماعية، ففي طريقك إلى المقبرة يُلفت انتباهك شواهد القبور المطلة من خلف الأسوار، لتدرك سريعاً أنك في مقبرة حيث يوجد الأموات، لكنك سرعان ما تتوقف عندما ترى الملابس الملونة المرمية على حبلٍ مشدود لتجف، تدقق النظر فترى ألواح متعاضدة تصنع ما يشبه البيت، وبعض الدجاج والبط يقفز من قبر إلى آخر، ولدوا بين الأموات في المقبرة، صور الموتى لا تغادر خيالهم حتى بعد أن يكبروا وأولادهم يرون كل يوم مشاهد الموت من الجنازات إلى العظم والهياكل العظمية التي يرونها في القبور إلى جثث الشهداء المقطعة.

وقال لا يعيشون بين القبور فقط، بل إنه في صالون بيوتهم توجد قبور، وأصحاب العمارات في مدينة غزة يمرون بالمكان ولا ينتبهون إلى الأحياء الذين يولدون ويموتون في مقبرة وتلازمهم جثث وعظام الموتى طيلة حياتهم، في المقابر يفتقر الناس لكل شيء حتى الحياة الكريمة التي هي من حق كل إنسان، الناس هنا يشبهون الأموات، أبناؤهم في الغالب يعانون من حالة نفسية صعبة، فهم محرومون من أبسط الحقوق، وهي الاستمتاع بطفولتهم حيث أنهم يتحملون المسؤولية منذ الصغر، يعرفون معاناة العمل والبحث عن لقمة العيش، معظمهم لا يدخلون المدارس ولم يتعلموا شيء، يعانون حالة نفسية تظل عالقة في أذهانهم، وتؤثر في تصرفاتهم في الحياة الاجتماعية، لأنهم تعودوا الحياة مع الموتى لا مع الأحياء، فهم في حالهم هذه يعتبرون موتى لأنهم لا يملكون بيتاً ولا علماً ولا حياة كريمة.
في ضيافة الموتى
ولم يختلف حديث أبو علي عن من سبقه، بالقول 'إنني وجدت نفسي وعائلتي مجبرين على ما نحن عليه اليوم، فما لنا من خيار، فالمكان يفتقر للكثير من الخدمات ومقومات الحياة الأساسية، فسكان المنطقة الأصليون لا حاجة لهم بها، وهذه المناطق ليست من أولويات البلدية.
ويتحدث أبو علي عن إقامته في منطقة المقابر بمدينة رفح جنوب قطاع غزة، ويقول: 'لقد عشت مع عائلتي هنا منذ سنوات طويلة حتى قبل أن تكتظ المقبرة، سواء بالموتى أو الأحياء... في بداية الأمر كنا نبعد عن مركز المدينة ونُعتبر خارجها، ولهذا غابت عنا الخدمات الأساسية، ومع تطور العمران الذي أحاط بنا من كل جانب، أصبحنا اليوم في منتصف البلد ولا شيء تغير'.
المنطقة التي يقطن فيها أبو علي كانت تستخدم كمقبرة لدفن جثث الشهداء المصريين إبان حرب العام 1967، حيث كان للجيش المصري على مقربة من المقبرة معسكراً يقيمون فيه، وبعد أعوام استخدم نفس المكان لدفن أهالي المدينة، ويقول أبو علي: 'مع زيادة أعداد الموتى والشهداء وجدنا أنفسنا وسط ازدحام القبور لا نعرف هل نحن في ضيافتهم أم هم الذين في ضيافتنا؟!'.
مقابر للهو الأطفال ومرحهم
في العادة يلزم الأطفال متنزهات يلهون فيها، وحدائق يشتَمون عبق زهورها، وفراشات يركضون خلفها، ولكن عند سكان المقابر كل شيء مختلف، فاللعب تتشابه، والمكان يختلف، فهم يلعبون حول القبور ويتخذونها مكانا للاختباء من أقرانهم.
اعتاد هؤلاء الأطفال المكان، حتى أصبح جزءاً منهم، تربوا على مشاهد الحفر ودفن جثث الموتى، فباتت الزيارة اليومية للقبور، والدعاء للأموات هواية بالنسبة للكثيرين منهم، وأضحى المشهد بالنسبة لهم عادياً ترسخ في ذاكرتهم، إلا أن هذا كله لا يؤثر في لهوهم ولعبهم بل يزيد من خيالهم لابتكار ألعاب أخرى كل مرة، كل شيء في حياتهم ارتبط بالموت، حتى ابتسامتهم اختفت لتحل محلها هموم عميقة أكبر من أعمارهم.

مواطنو غزة يهتفون "الشعب يريد إنهاء الانقسام"

غزة15-3-2011وفا- من زكريا المدهون
أصرت الحاجة "أم إبراهيم" رغم كبر سنها وحالتها الصحية السيئة على المشاركة في فعاليات الحراك الشعبي لإنهاء الانقسام التي انطلقت اليوم الثلاثاء في مدينة غزة.
"أم إبراهيم" (70عاماً)  التي تقطن مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة، واحدة من ألاف المواطنين غالبيتهم من الشبان احتشدوا في ساحة الجندي المجهول وسط مدينة غزة، وفي الشوارع المجاورة، للمطالبة بإنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية.
"رغم مرضي وسني الكبير جئت لكي أشارك في هذه المسيرات السلمية المنادية فقط بإنهاء هذا الانقسام الذي أضر بنا كثيراً" قالت "أم إبراهيم" وهي تتكئ على عكازها بصحبة أحد أحفادها.
ورفع المشاركون في المسيرات الذين يمثلون مختلف الشرائح والطبقات والفئات العمرية ألاف الإعلام الفلسطينية واللافتات المنددة بالانقسام والداعية الى تجسيد الوحدة الوطنية.
ودعت العجوز "أم إبراهيم" الجميع الى إنهاء الانقسام المستمر منذ أربعة أعوام  الذي يستفيد منه فقط أعداء الشعب الفلسطيني".
عطا الله البلعاوي لف جسده بالعلم الفلسطيني أثناء مشاركته في مسيرات الوحدة الوطنية وانهاء الانقسام.
وقال البلعاوي (53 عاماً): "جئت للمشاركة حتى نقول لطرفي الانقسام "الشعب يريد الوحدة وإنهاء الانقسام".
وشدد على أن المخرج الوحيد للحالة الفلسطينية الحالية هو بإنهاء الانقسام وتوفير النوايا الحسنة ووقف حملات التحريض والتخوين."
عشرات الشبان رفعوا عاليا علما فلسطينيا كبيرا وجابوا به ساحة الجندي المجهول والطرقات والشوارع المجاورة، مرددين الأهازيج الوطنية والشعارات الداعية لإنهاء الانقسام.
ودعا البلعاوي المواطنين في قطاع غزة الى استمرار المشاركة في فعاليات إنهاء الانقسام حتى تحقيق المصالحة.
عشرات الشبان والفتيات رسموا على  وجوههم أعلام فلسطين وشعارات منادية بإنهاء الانقسام مثل: "كفى وتعبنا".
ومن الشعارات التي رددها الشبان: "الشعب يريد علم فلسطين"، "علم واحد مش علمين"، كما رفعوا صورة  مشتركة للشهيدين الرئيس ياسر عرفات والشيخ أحمد ياسين".
وفجأة انتقل ألاف المشاركين من ساحة الجندي المجهول الى  ساحة الكتيبة غرب المدينة، مرجعين سببن ذلك الى محاولات بعض المشاركين تجبير هذه الفعاليات لصالحهم حسب قولهم.
وهناك كانت المفاجأة ألاف الشبان من مختلف الأعمار كانوا يملئون المكان وهم يلوحون بالأعلام الوطنية، ويرددون الشعارات المنادية بإنهاء الانقسام.
 أحد القائمين على هذا الحراك الشعبي، أكد أنهم سيستمرون في حراكهم السلمي حتى  تحقيق الأهداف التي انطلقوا من اجلها وفي مقدمتها إنهاء الانقسام.
 وشدد على أنهم لم يتلقوا أية مساعدة من أية جهة أو أي طرف وجميعها مجهودات شبابية بحتة تريد تغيير الواقع للأفضل.
وشكر جميع الشبان والشابات والمشاركين في هذه الفعاليات السلمية التي تطالب بالتغيير نحو الأفضل  وإنهاء الانقسام الأسود، مؤكداً ان الشبان هم من يستطيع التغيير كما حصل في بعض الدول العربية.
منى عبد السلام طالبة في جامعة الأزهر في مدينة غزة، رفعت لافتة باللغتين العربية والانجليزية تطالب بإنهاء الانقسام.
وقالت:" الشعب يريد إنهاء الانقسام الذي طال أمده وأضر بقضيتنا ومشروعنا الوطني"، معربة عن أملها بان يستجيب الجميع لهذا الحراك الشعبي وإنهاء هذا الانقسام البغيض".
وطالبت عبد السلام بتغليب المصالح العامة على المصالح الخاصة والحزبية، لأن فلسطين فوق الجميع.

الأربعاء، 30 مارس 2011

في غزة... "التوك توك" وسيلة للتغلب على البطالة.

غزة 26-3-2011وفا- من زكريا المدهون
يقود الشاب محمود (30 عاماً) دراجة نارية بثلاث عجلات أو ما يعرف باسم "التوك توك" في أحد أسواق مدينة غزة، يعرض عليها أصنافاً مختلفة من الأدوات المنزلية، في محاولة منه للتغلب على البطالة التي يعاني منها منذ سنوات.
 في سوق الشيخ رضوان الشعبي القريب من مدينة غزة، التف بعض المواطنين حول الدراجة النارية لشراء أدوات منزلية يحتاجون إليها بأسعار أرخص مما تباع في المحال كما يقول محمود الذي ارتسمت على وجهه الفرحة.
محمود ذو  البشرة السوداء يقول:" إنه خريج جامعي أضطر لشراء هذه الدراجة النارية بمساعدة والده وبالدّين من بعض الأقارب ليبيع عليها ما يتوفر لديه من بضاعة وسلع لعلها تساعده على توفير تكاليف الزواج المرتفعة جداً".
وتنتشر في قطاع غزة الآلاف من الأنواع المختلفة من "التوك توك" والتي لجأ اليها المواطنون لا سيما الشبان منهم لمساعدتهم في التغلب على ضنق المعيشة والفقر المدقع المنتشر في القطاع الساحلي الضيق.
وحذرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" من خطورة ارتفاع نسبة البطالة في قطاع غزة الى 50% وتدني مستوى الأجور.
وتقدّم "أونروا" مساعدات نقدية وتموينية لآلاف الأسر الفلسطينية في قطاع غزة، في ظل الحصار الذي تفرضه اسرائيل منذ أربع سنوات.
وفي هذا الصدد، يؤكد الشاب محمود أنه اشترى هذه الدراجة النارية لعدم مقدرته على الحصول على وظيفة منذ تخرجه من الجامعة قبل ثماني سنوات، أو حتى أية فرصة عمل في أي مجال.
 واضاف أنه يقوم بالتجوال في "التوك توك" في جميع أسواق مدينة غزة خاصة وأن أسعار "البنزين" المصري المهرب رخيصة، ما يساعده على الربح، مشيراً الى  أنه قد يبيع في اليوم الواحد بخمسين شيقل (الدولار يعادل 3.6 شيكل).
وتابع الشاب الثلاثيني ساخرا: "لعل هذا العمل الجديد يساعدني على توفير تكاليف الزواج المرتفعة جدا والتي تصل الى عشرة الاف دينار أردني".
هناك وظائف أخرى لـ "التوك توك" غير الذي يمتهنها محمود، فالشاب محمد عبد اللطيف (22 عاماً) حوله الى وسيلة لنقل البضائع والمواد التموينية والعفش للمواطنين والتجار على حد سواء.
محمد الذي يقطن في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، كتب رقم هاتفه النقال على "التوك توك" واستعداده لتوصيل جميع طلبات المواطنين.
وبعد أن حمد الله على هذا العمل، قال: "أساعد أسرتي في تدبير أمورها الاقتصادية خاصة أن والدي مريض ولا يقدر على العمل، وأنا أكبر أخوتي".
وأضاف محمد قمت بشراء هذا "التوك توك" بأكثر من ألف دولار أمريكي بالتقسيط من أحد التجار، عسى أن يعيننا على تدبر أوضاعنا المعيشية السيئة".
وقال كريستوفر جانس الناطق الرسمي باسم وكالة غوث الدولية في تصريحات سابقة: "إن نسبة البطالة ارتفعت في قطاع غزة في الربع الثاني من عام 2010 من 44.3 % إلى 44.5 % في الربع الثالث من نفس العام".
وحذر المسئول الأممي، من أن مجتمعا تبلغ فيه نسبة البطالة حوالي 50 % يصل إلى حافة الانهيار.
وأوضح محمد:" إنه يعمل حسب الطلب، وأحيانا أخرى أثناء توزيع "الأونروا" والشئون الاجتماعية المواد التموينية على المحتاجين، مشيراً الى أن المواطنين باتوا يفضلون "التوك توك" على عربات الكارو التي تجرها الحمير لسرعتها ونظافتها.
وأثناء حديثي مع محمد رنّ هاتفه النقال، وقال: "أحد الزبائن يريد توصيله وانطلق مسرعاً".